الاقتصاد الأمريكي بين التراجع التضخمي والنمو المعتدل: قراءة شاملة في الوضع الراهن

 

التضخّم والمسار النقدي

أظهرت بيانات Bureau of Labor Statistics الأمريكية لشهر سبتمبر ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 0.3٪ شهريًا و3.0٪ سنويًا، وهي قراءة أقل قليلاً من توقعات الاقتصاديين عند 0.4٪ و3.1٪ على التوالي.هذا الهدوء النسبي في التضخّم يعطي دفعة للاعتقاد بأن Federal Reserve قد يُقدِم على خفضٍ جديد في الفائدة خلال اجتماعه المُقبل، في ظل تراجع الضغط التضخّمي. من جهة أخرى، يظل الهدف الأساسي لدى الفيدرالي هو الوصول إلى مستوى تضخّم يُقارب 2٪، ويُنظر إلى هذا التطور على أنّه خطوة إيجابيّة لكن ليست مضمونة، لاسيما مع مخاطر عكسية محتملة نتيجة سلاسل الإمداد والتعريفات التي لا تزال تؤثر على الأسعار. في المحصلة، يبدو أن الأفق النقدي يتحول نحو التيسير التدريجي أكثر من التشديد، ما يفتح آفاقًا لتعزّيز المخاطر في السوق المالية على المدى القصير.

 سوق العمل والمؤشرات الكلية

 

 

تشير أحدث بيانات طلبات إعانة البطالة إلى تزايد طفيف في عدد المتقدمين، إذ ارتفعت المطالبات الجديدة إلى نحو 232 000 للأسبوع المنتهي 18 أكتوبر، مقارنة بـ220 000 في الأسبوع السابق.على الرغم من أنّ هذا الرقم لا يدلّ على انهيار فوري في سوق العمل، فإنّه يُشير إلى تباطؤ تدريجيّ في الديناميكية التي كانت السمة المهيمنة سابقًا. وفي تقرير Federal Reserve Bank of the United States “بيج بوك” ورد أن النشاط الاقتصادي ظلّ شبه ثابت في الأسابيع الأخيرة، مع ثبات التوظيف نسبيًا لكن مع تراجع توقعات التوسّع. هذا المشهد يدعو إلى حذر الفيدرالي فبينما لا توجد دلائل على ركود شامل، هناك إشارات على أن السوق لم يعد في حالة “نمو حذر” بل في “نمو ثابت لكن بعرق”. لذلك، يشكل هذا السياق خلفية مقبولة لتحرّك الفائدة نحو الانخفاض مع المحافظة على المرونة في التقدّم أو التراجع استجابة للبيانات القادمة.

النمو الاقتصادي والنظرة العامة للأسواق

 

 

على الرغم من التحديات التي تواجه الاقتصاد الأميركي، تمّ مراجعة نمو الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني إلى حوالي 3.8٪ سنويًا، ما يعكس قوة الاستهلاك والقاعدة الاقتصادية رغم الضغط التضخّمي وارتفاع تكاليف الاقتراض. هذا النمو يعزّز ثقة المستثمرين بأنّ الاقتصاد لا يتجه نحو تباطؤ حادّ، بل نحو حالة “استمرار النمو بتباطؤ طفيف”. ومع صدور بيانات التضخم الأقل من التوقعات، ارتفعت العقود الآجلة للأسهم على وول ستريت، مما يعكس تحسّن شعور المخاطرة في السوق.ومع ذلك، يُحذّر المحللون من أن احتمال استمرار التضخّم لفترة أطول من المتوقع لا يزال قائماً، وهو ما يعني أن ليس هناك مجال للفوضى، بل للمناورة الحذِرة. في الخلاصة، الاقتصاد الأميركي يسير في منطقة “نمو معتدل تضخّم في تراجع” والأسواق تعدّ لهذا السيناريو بتخطيط محسوب وليس تجاوباً عشوائياً.