الحرب التجارية تعود فهل يصمد الاقتصاد العالمي؟

هل تُؤثّر رسوم ترامب فعلاً على النمو العالمي؟

أعادت سياسات الرسوم الجمركية التي تبنّاها دونالد ترامب الجدل حول مدى تأثيرها على النمو الاقتصادي العالمي. ورغم أن العديد من التوقعات المبكّرة رجّحت حدوث تباطؤ اقتصادي حاد، إلا أنّ الواقع كان أقل حدّة. فقد استطاعت عدة اقتصادات كبرى امتصاص تأثير الرسوم بفضل توسّعها في قطاعات التكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي، والصناعات الحديثة. ومع ذلك، لا يمكن القول إن الرسوم كانت بلا أثر؛ إذ أدّت إلى ارتفاع تكاليف الاستيراد، وزيادة أسعار المواد الخام، وظهور ضغوط واضحة على سلاسل الإمداد العالمية. التأثيرات كانت أشدّ على الدول النامية التي تعتمد على الواردات بشكل رئيسي، مما جعلها أكثر عرضة للتباطؤ. وبشكل عام، لم تُحدِث الرسوم انهيارًا عالميًا، لكنها غيّرت مسار النمو وأعادت توزيع موازين القوة الاقتصادية.

 كيف تتأقلم الشركات والدول مع الضغوط التجارية الأمريكية؟

دفعت الرسوم الجمركية العديد من الشركات العالمية إلى إعادة النظر في مواقع إنتاجها وتقليل اعتمادها على التصنيع في الصين. ونتيجة لذلك، شهدت دول مثل الهند، وفيتنام، والمكسيك، وبولندا تدفّقًا متزايدًا للاستثمارات الصناعية الجديدة. وعلى الرغم من أن هذا التحوّل يمنح مرونة أكبر على المدى الطويل، إلا أنه يفرض تحديات قصيرة المدى، من بينها ارتفاع التكاليف ونقص العمالة الماهرة وضعف البنية التحتية في بعض الدول. وفي الجهة المقابلة، تسعى الصين إلى تعويض تراجع صادراتها إلى الولايات المتحدة عبر التوسّع في أسواق إفريقيا، وأمريكا اللاتينية، وجنوب شرق آسيا. هذه التحولات مجتمعة تعيد تشكيل خريطة التجارة العالمية، وتُظهِر أن النظام الاقتصادي الدولي يمرّ بمرحلة إعادة هيكلة شاملة، تحمل فوائد مستقبلية وضغوطًا آنية في الوقت ذاته.

هل يستطيع الاقتصاد العالمي تحمّل موجة جديدة من الرسوم الجمركية؟

السؤال المطروح اليوم هو: هل يستطيع الاقتصاد العالمي استيعاب موجة جديدة من الرسوم دون الانزلاق نحو تباطؤ واسع؟ تشير التقديرات إلى أنّ النظام الاقتصادي العالمي تأقلم مع الموجة الأولى، لكن استمرار التصعيد قد يختبر قدرته على الصمود. فارتفاع التضخم، وزيادة تكاليف الاقتراض، وتفاقم التوترات السياسية جميعها عوامل تضغط على الدول النامية بشكل خاص. أما الولايات المتحدة، فيُرجّح أن تكون أكثر قدرة على تحمل هذه السياسات بفضل قوة الطلب المحلي، والسيولة الكبيرة في الشركات، وتدفّق الاستثمارات في القطاعات الابتكارية مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتقدمة. ومع ذلك، فإنّ الإفراط في الاعتماد على الرسوم قد يؤدي إلى اضطرابات أوسع في الأسواق العالمية. لذلك، يعتمد مستقبل النمو العالمي على التوازن بين السياسات التجارية، والاستثمارات التكنولوجية، وتطوير سلاسل الإمداد، وليس على القرارات السياسية قصيرة الأجل.