رغم التصحيح الهابط، الذهب يتداول قريبًا من أعلى مستوياته القياسية

الذهب قرب القمة: توقعات مستقبلية محفوفة بالتحديات والفرص

في ظل بيانات أمريكية مختلطة وتصاعد التوترات الجيوسياسية، يظل الذهب ملاذًا آمنًا يجمع بين المخاوف الاقتصادية والتوترات السياسية، حيث يتطلع المستثمرون إلى المستقبل بترقب للتقارير الاقتصادية القادمة.

استقرت أسعار الذهب عند مستويات تاريخية في الأسابيع الأخيرة، حيث تداول المعدن النفيس حول مستوى 4330 دولارًا للأونصة، قريبًا من ذروته القياسية المسجلة في أكتوبر الماضي.

يأتي هذا الاستقرار وسط انتظار المستثمرين لبيانات حاسمة حول أسعار المستهلكين الأمريكية المتوقعة اليوم، بالإضافة إلى الضغوط الجيوسياسية المتزايدة.

تظهر البيانات الحديثة تحولًا في سوق العمل الأمريكي، مع ارتفاع معدل البطالة إلى 4.6%، وهو أعلى مستوى له في 4 سنوات، بينما أظهرت بيانات التوظيف لشهر نوفمبر اضافة 64 ألف وظيفة فقط، وهي غير كافية لتعويض خسائر شهر أكتوبر التي بلغت 105 ألف وظيفة.

 

توقعات صعودية مدعومة بالمؤسسات الكبرى

تشير توقعات المؤسسات المالية الكبرى إلى استمرار المسار الصعودي للذهب في المدى المتوسط والطويل.

حيث تتنبأ العديد من هذه المؤسسات بأن يتجاوز المعدن النفيس عتبة 5000 دولار للأونصة بحلول نهاية عام 2026، مدفوعة بعوامل هيكلية تعيد تقييم دور الذهب في المحافظ الاستثمارية العالمية.

- جيه بي مورجان: تتوقع المؤسسة وصول الذهب إلى 5000 دولار بحلول الربع الأخير من عام 2026، وربما 5400 دولار بنهاية عام 2027، مع معدل طلب ربع سنوي يبلغ حوالي 585 طنًا من المستثمرين والبنوك المركزية.

- جولدمان ساكس: ترفع توقعاتها إلى 4900 دولار لعام 2026، بعد أن توقعت في السابق 4500 دولار لعام 2025، مستشهدة بزيادة الطلب على رفع المخصصات الاستثمارية وتنامي دور البنوك المركزية.

- بنك أوف أمريكا: يحافظ على أحد أكثر التوقعات تفاؤلاً عند 4400-5000 دولار لعام 2025، معتبراً أن مستوى 4000 دولار قد تحول من مقاومة إلى مستوى دعم هيكلي جديد.

 

العوامل الدافعة لصعود الذهب

- سياسات البنوك المركزية والطلب المؤسسي

تشكل مشتريات البنوك المركزية العالمية أحد أهم الركائز لارتفاع أسعار الذهب، حيث أضافت هذه البنوك حوالي 1136 طنًا من الذهب إلى احتياطياتها في عام 2022 بقيمة تقارب 70 مليار دولار، وهي أعلى عمليات شراء سنوية منذ بدء السجلات.

وتستهدف البنوك المركزية في الاقتصادات الناشئة مثل الصين والهند وبولندا وروسيا زيادة حصة الذهب في احتياطياتها كجزء من استراتيجية تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي.

- التوقعات النقدية الأمريكية

يظل موضوع السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي محورياً في تحديد اتجاهات أسعار الذهب.

حيث توجد آراء متباينة داخل بنك الاحتياطي الفيدرالي نفسه، حيث عبر أوستان غولسبي، عضو الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو، عن معارضته لخفض أسعار الفائدة الحالي، قائلاً: "أنا متفائل جداً بأن أسعار الفائدة ستكون أقل بكثير مما هي عليه اليوم بحلول عام 2026. لكنني أشعر بعدم الارتياح إزاء التسرع في خفض أسعار الفائدة.

وعلى العكس تماما فقد أعرب كريستوفر والر عضو الاحتياطي الفيدرالي، عن تأييده لمزيد من خفض أسعار الفائدة، مؤكدًا في الوقت نفسه على ضرورة توخي الحذر من جانب صناع السياسات

التوترات الجيوسياسية والمخاوف الاقتصادية

تعزز التوترات الجيوسياسية المتصاعدة جاذبية الذهب كملاذ آمن.

تشمل هذه التوترات:

  • تصاعد الصراع الأمريكي الفنزويلي بعد أن أمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض حصار على ناقلات النفط الفنزويلية.
  • استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وموقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحازم بشأن المطالب الإقليمية.
  • التوترات التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين.

 

مستقبل الذهب: توقعات وتحديات

رغم النظرة الإيجابية السائدة، تبقى عدة تحديات قد تؤثر على مسار الذهب:

- تضارب التوقعات داخل الاحتياطي الفيدرالي: بين دعوات لخفض أسعار الفائدة وتحذيرات من التسرع في ذلك.

- مخاطر التصحيح الفني: مع امتداد المكاسب لأسابيع متتالية.

- تقلبات الدولار الأمريكي: الذي يرتبط عكسياً مع أسعار الذهب.

 

وفي النهاية، ومع تطلع السوق إلى بيانات مؤشر أسعار المستهلك اليوم، وإمكانية زيادة حدة التوترات الجيوسياسية، يبدو أن المعدن الأصفر مستعد للحفاظ على بريقه كملاذ آمن مفضل للمستثمرين في عالم مليء بعدم اليقين الاقتصادي والسياسي.