مستقبل الدولار أمام موجة صعود الذهب والفضة

التحول الكبير في النظام المالي العالمي

يشهد العالم اليوم واحدة من أهم التحولات في النظام المالي منذ عقود. للمرة الأولى منذ نحو 30 عامًا، تتجاوز احتياطيات البنوك المركزية من الذهب حجم ما تملكه من سندات الخزانة الأمريكية. هذا التحول يعكس فقدان الثقة المتزايد في قوة الدولار، وصعود الذهب كخيار استراتيجي آمن يحمي الاقتصادات من تقلبات السياسة الأمريكية والضغوط الجيوسياسية.

الذهب في صدارة المشهد

أسعار الذهب حققت قفزة تاريخية خلال عام 2025، إذ تجاوزت مستوى 3500 دولار للأونصة لأول مرة، مع ارتفاع بأكثر من 34% منذ بداية العام. توقعات البنوك العالمية، وعلى رأسها "جي بي مورغان"، تشير إلى إمكانية وصول المعدن الأصفر إلى 4000 دولار في المدى القريب، مدفوعًا بالطلب القوي من البنوك المركزية والمستثمرين الأفراد على حد سواء.

البيانات الأخيرة تؤكد أن الطلب العالمي على الذهب بلغ 1249 طنًا في الربع الثاني من 2025، بينها 167 طنًا اشترتها البنوك المركزية وحدها، ما يبرهن على أن المعدن الأصفر أصبح حجر الأساس في استراتيجيات التحوط.

الفضة تقتنص دور البطولة

إلى جانب الذهب، استعادت الفضة مكانتها بقوة بعد أن تجاوزت أسعارها 40 دولارًا للأونصة لأول مرة منذ 14 عامًا. وبارتفاع تخطى 40% منذ بداية العام، أصبحت الفضة مرشحة لمزيد من الصعود، خصوصًا مع اتساع استخدامها الصناعي في الرقائق الإلكترونية والطاقة الشمسية، إلى جانب المجوهرات.
العجز الواضح بين العرض والطلب – حيث بلغ الاستهلاك 1.16 مليار أونصة مقابل إنتاج 820 مليون فقط – يعزز فرص استمرار الاتجاه الصاعد.

فقدان الثقة بالدولار

الطلب المتزايد على الذهب والفضة ليس مجرد استثمار آمن، بل هو تعبير واضح عن تآكل الثقة بالدولار الأمريكي، خاصة مع لجوء واشنطن لاستخدامه كسلاح اقتصادي عبر العقوبات. هذا الواقع يدفع العديد من الاقتصادات، وعلى رأسها الصين، إلى إعادة تشكيل احتياطاتها بما يقلل الاعتماد على العملة الأمريكية.

مستقبل غامض ونظام جديد قيد التشكل

المحللون يرون أن ما يحدث اليوم ليس مجرد موجة ارتفاع أسعار، بل بداية لحقبة مالية جديدة قد تشبه في تأثيرها اتفاقية "بريتون وودز" بعد الحرب العالمية الثانية. ومع توقعات بارتفاع الذهب إلى 3800 دولار والفضة إلى مستويات قياسية جديدة، يبدو أن المعادن الثمينة تعيد رسم ملامح الاقتصاد العالمي، لتطرح سؤالًا جوهريًا: هل دخلنا فعليًا مرحلة أفول عصر الدولار وصعود نظام مالي متعدد الأقطاب؟